فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {قَانِتِينَ} وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ؛ لِأَنَّهَا نَصٌّ ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْتَمَلٍ سِوَاهَا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال القشيري:

المحافظة على الصلاة أن يدخلها بالهيبة، ويخرج بالتعظيم، ويستديم بدوام الشهود بنعت الأدب، والصلاة الواسطى أيهم ذكرها على البيت لتراعي الجميع اعتقادًا منك لكل واحدة أنها هي لئلا يقع منك تقصير في شيء منها. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَائِدَةٌ؛ وَهِيَ الرَّدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ؛ لِأَنَّ الْوَسَطَ إنَّمَا يُعَدُّ فِي عَدَدٍ وِتْرٍ؛ لِيَكُونَ الْوَسَطُ شَفْعًا يُحِيطُ بِهِ مِنْ جَانِبَيْهِ؛ وَإِذَا عُدَّتْ الصَّلَوَاتُ الْوَاجِبَاتُ سِتًّا لَمْ تَكُنْ الْوَاحِدَةُ وَسَطًا؛ لِأَنَّهَا بَيْنَ صَلَاتَيْنِ مِنْ جِهَةٍ، وَبَيْنَ ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ مِنْ أُخْرَى، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوَسَطَ مُعْتَبَرٌ بِالْعَدَدِ أَوْ بِالْوَقْتِ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ مُحْتَمَلٌ لَا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِهِ دَلِيلٌ. اهـ.

.فصل في المحافظة على الصلاة:

قال الفخر:
اعلم أن الأمر بالمحافظة على الصلاة أمر بالمحافظة على جميع شرائطها، أعني طهارة البدن، والثوب، والمكان، والمحافظة على ستر العورة، واستقبال القبلة، والمحافظة على جميع أركان الصلاة، والمحافظة على الاحتراز عن جميع مبطلات الصلاة سواء كان ذلك من أعمال القلوب أو من أعمال اللسان، أو من أعمال الجوارح، وأهم الأمور في الصلاة، رعاية النية فإنها هي المقصود الأصلي من الصلاة، قال تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه: 14] فمن أدى الصلاة على هذا الوجه كان محافظًا على الصلاة وإلا فلا.
فإن قيل: المحافظة لا تكون إلا بين اثنين، كالمخاصمة، والمقاتلة، فكيف المعنى ههنا؟.
والجواب: من وجهين أحدهما: أن هذه المحافظة تكون بين العبد والرب، كأنه قيل له: احفظ الصلاة ليحفظك الإله الذي أمرك بالصلاة وهذا كقوله: {فاذكرونى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وفي الحديث: «احفظ الله يحفظك» الثاني: أن تكون المحافظة بين المصلي والصلاة فكأنه قيل: احفظ الصلاة حتى تحفظك الصلاة، واعلم أن حفظ الصلاة للمصلي على ثلاثة أوجه:
الأول: أن الصلاة تحفظه عن المعاصي، قال تعالى: {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} [العنكبوت: 45] فمن حفظ الصلاة حفظته الصلاة عن الفحشاء.
والثاني: أن الصلاة تحفظه من البلايا والمحن، قال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة} [البقرة: 153] وقال تعالى: {وَقَالَ الله إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَآتَيْتُمْ الزكواة} [المائدة: 12] ومعناه: إني معكم بالنصرة والحفظ إن كنتم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة.
والثالث: أن الصلاة تحفظ صاحبها وتشفع لمصليها، قال تعالى: {وَأَقِيمُواْ الصلاة وَآتُواْ الزكواة وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله} [البقرة: 110] ولأن الصلاة فيها القراءة، والقرآن يشفع لقارئه، وهو شافع مشفع وفي الخبر: «إنه تجئ البقرة وآل عمران كأنهما عمامتان فيشهدان ويشفعان» وأيضًا في الخبر «سورة الملك تصرف عن المتهجد بها عذاب القبر وتجادل عنه في الحشر وتقف في الصراط عند قدميه وتقول للنار لا سبيل لك عليه» والله أعلم. اهـ.

.قال الثعلبي:

وفي قوله عزّ وجلّ: {والصلاة الوسطى} دليل على أن الوتر ليس بواجب وذلك أن المسلمين اتفقوا على أن الصلوات المفروضات تنقص عن سبعة وتزيد على ثلاثة، وليس من الثلاثة والسبعة فرد إلاّ خمسة، والأزواج لا وسطى لها، فثبت أنها خمسة.
قتادة عن أنس قال: قال رجل: يا رسول الله، كم افترض الله على عباده الصلوات؟
قال: خمس صلوات، قال: فهل قبلهنّ وبعدهنّ شيء افترض الله على عباده قال: لا، فحلف الرجل بالله لا يزيد عليهنّ ولا ينقص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن صدق الرجل دخل الجنة».
وعن طلحة بن عبيد الله قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، يسمع دوي صوته ولا يفهم ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» قال: هل عليّ غيرهنّ؟ قال: «لا إلاّ أن تتطوع» قال صلى الله عليه وسلم: «وصيام شهر رمضان» قال: هل عليّ غيره؟ قال: «لا، إلاّ أن تتطوع» له عليه الصلاة والسلام الزكاة، قال: هل عليّ غيرها؟ قال: «لا، إلاّ أن تتطوع» فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق».
عن محمد بن يحيى بن حيان عن ابن جرير أن رجلا من بني كنانة يدعى المحدجي كان يسمع رجلا بالشام يكنى أبا محمد يقول: الوتر واجب، قال المحدجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت واعترضت له وهو رايح إلى المسجد فأخبرته بالذي قال أبو محمد، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات كتبهنّ الله على العباد، من جاء بهنّ لم يضيّع منهنّ استخفافًا بحقهنّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهنّ فليس له عند الله عهد إن شاء عذّبه الله وإن شاء أدخله الجنة».
وعن عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ليس الوتر بحتم لأنه لا تكبير به ولكنه سنّة سنّها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والدليل على أنّ الوتر ليس بواجب ما روى نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر على راحلته، وعن نافع أيضًا أن ابن عمر كان يوتر على بعيره، ويذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وأجمع الفقهاء على أن الصلاة المكتوبة على الراحلة في حال الأمن لا تجوز. اهـ.

.من فوائد ابن عرفة في الآية:

قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصلوات}.
إن قلت: ما وجه مناسبتها مع أن ما قبلها في شأن الزوجات؟
قلنا: الجواب عنه بأمرين: إما بأنّه تنبيه الأزواج أن لا يشتغلوا بأمور زوجاتهم عن الصلوات، وإما بأن بعضهم كان لا يراعي المناسبة ولا يشتغل بها.
قال ابن عرفة: إنما قال: {حَافِظُوا} ولم يقل: احفظوا، إشارة إلى تأكدها وتكرر الأمر بها من وجهين:
أحدهما: أن {حَافِظُوا} مفاعلة لا تكون إلاّ من اثنين مثل: قاتلت زيدا، ووقوعها هنا من الجانبين مستحيل، فيتعين صرف ذلك إلى تكرر الأمر بوقوعه وتأكده.
الثاني: إنّ لفظه يقتضي الاستيلاء والإحاطة فهو إشارة إلى تعميم الإحاطة بالصلوات دون ترك شيء منها وتخصيص الصّلاة الوسطى منها بالذكر: إما لورودها على النّاس في زمن شغلهم أو في زمن راحتهم ونومهم أو لكونهم من بقية الصلوات التي كانت مفروضة على الأمم المتقدمة وهو من عطف الخاص على العام.
قوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ}.
فسره ابن عطية بالقيام الحسي حقيقة قال: ومعناه في صلاتهم فسره بعضهم بالقيام المعنوي وهو الجد في الطلب والطاعة فيتناول ركوع الصلوات وسجودها مثل: قمت بالأمر. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ}، أي: داوموا على أدائها لأوقاتها مع رعاية فرائضها وسننها من غير إخلال بشيء منها: {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} أي: الوسطى بين الصلوات بمعنى المتوسطة أو الفضلى منها، من قولهم للأفضل: الأوسط. فعلى الأول: يكون الأمر لصلاة متوسطة بين صلاتين. وهل هي الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء؟! أقوال مأثورة عن الصحابة والتابعين. وعلى الثاني: فهي صلاة الفطر أو الأضحى أو الجماعة أو صلاة الخوف أو الجمعة أو المتوسطة بين الطول والقصر. أقوال أيضًا عن كثير من الأعلام. والقول الأخير جيد جدًا كما لو قيل بأنها ذات الخشوع لآية: {الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ}.
وأما علماء الأثر: فقد ذهبوا إلى أن المعنيّ بالآية صلاة العصر لما في الصحيحين عن علي رضي الله عنه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الأحزاب وفي رواية، يوم الخندق: «ملأ الله قلوبهم وبيوتهم نارًا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس». وفي رواية: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر». وذكر نحوه وزاد في أخرى: ثم صلاها بين المغرب والعشاء. أخرجاه في الصحيحين ورواه أصحاب السنن والمسانيد والصحاح من طرق يطول ذكرها.
وأجاب عن هذا الاستدلال من ذهب إلى غيره بأنه لم يرد الحديث مورد تفسير الآية حتى يعينها. وإنما فيه الإخبار عن كونها وسطى، وهو كذلك لأنها متوسطة وفضلى من الصلوات.
وما رواه مسلم عن أبي يونس- مولى عائشة- قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفًا وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} قال: فلما بلغتها آذنتها؛ فأملت عليّ: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين. قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروى ابن جرير عن حفصة نحو ذلك. قال نافع: فقرأت ذلك المصحف فوجدت فيه الواو. وكذا روى ابن جرير عن ابن عباس وعبيد بن عمير، أنهما قرآ كذلك.
فهذا من عائشة رضي الله عنها إعلام بالمراد من الوسطى عندها. ضمت التأويل إلى أصل التنزيل لأمن اللبس فيه، لأن القرآن متواتر مأمون أن يزاد فيه أو ينقص. وكان في أول العهد بنسخه ربما ضم بعض الصحابة تفسيرًا إليه، أو حرفًا يقرؤه. ولذا لما خشي عثمان رضي الله عنه أن يرتاب في كونه من التنزيل- مع أنه ليس منه- أمر بأن تجرد المصاحف في عهده مما زيد فيها من التأويل وحروف القراءات التي انفرد بعض الصحب، وأن يقتصر على المتواتر تنزيله وتلقيه من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته، كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته وحفظه؛ خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
هذا وقد أيد علماء الأثر ما ذهبوا إليه من أنها صلاة العصر، بأنها خصت بمزيد من التأكيد والأمر بالمحافظة عليها، والتغليظ لمن ضيعها. فقد قال أبو المليح: كنا مع بريدة في غزوة، فقال في يوم ذي غيم: بكروا بصلاة العصر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله». أخرجه البخاري. وقوله: «كروا بصلاة العصر»، أي: قدموها في أول وقتها.
وروى الشيخان عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله..!» أي: نقص وسلب أهله وماله فبقي فردًا فاقدهما. والمعنى: ليكن حذره من فوت صلاة العصر كحذره من ذهاب أهله وماله.
وقد ساق الحافظ عبد المؤمن الدمياطي في كتابه كشف المغطى في تبيين الصلاة الوسطى ما امتازت به صلاة العصر من الخصائص والفضائل، قال عليه الرحمة:
فمنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غلّظ المصيبة في فواتها بذهاب الأهل والمال في الحديث المتقدم.
ومنها: حبوط عمل تاركها المضيّع لها في الحديث السالف أيضًا.
ومنها: أنها كانت أحب إليهم من أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وأهليهم وأموالهم.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «من حافظ عليها كان له أجرها مرتين». رواه مسلم.
ومنها: أن انتظارها بعد الجمعة كعمرة- رواه أبو يعلى. وروى الحاكم: كمن أتى بحجة وعمرة.
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم..- إلى أن قال- ورجل أقام سلعة بعد العصر فحلف بالله أنه أخذها بكذا وكذا، فجاء رجل فصدقه فاشتراها». متفق عليه. ثم قال: قلت وقد عظم الله الأيمان التي يحلف بها العباد فيما شجر بينهم بعدها فقال: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106].
قال عامة المفسرين: بعد صلاة العصر، ولذلك غلّظ العلماء اللعان وسائر الأيمان المغلظة بوقت صلاة العصر لشرفه ومزيته.
ومنها: أن سليمان عليه السلام أتلف مالًا عظيمًا من الخيل لما شغله عرضها عن صلاة العصر إلى أن غابت الشمس. فمدحه الله تعالى بذلك وأثنى عليه قوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ} [ص: 30- 31]. الآيات.
ومنها: أن الساعة التي في يوم الجمعة قد قيل: إنها بعد العصر.
ومنها: أن وقتها وقت ارتفاع الأعمال.
ومنها: الحديث المرفوع: إن الله تعالى يوحي إلى الملكين: لا تكتبا على عبدي الصائم بعد العصر سيئة.
ومنها: ما جاء في قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَاْن لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1- 2].
قال مقاتل: العصر: هي الصلاة الوسطى، أقسم بها- حكاه ابن عطية.
ومنها: ما روي في الحديث، أن الملائكة تصفّ كل يوم بعد العصر يكتبها في السماء الدنيا فينادى الملك: ألق تلك الصحيفة. فيقول: وعزتك ما كتبت إلا ما عمل. فيقول الله عز وجل: لم يرد به وجهي. وينادي الملك الآخر: اكتب لفلان كذا وكذا، فيقول الملك: وعزتك إنه لم يعمل ذلك. فيقول الله عز وجل: إنه نواه.
ومنها: أن وقتها وقت اشتغال الناس بتجاراتهم ومعايشهم في الغالب.
وقد أفرد الكلام على تفسير هذه الآية بمؤلفات. وذكر العلامة الفاسي- شارح القاموس- فيما نقله عنه الزبيدي، أن الأقوال فيها أنافت على الأربعين، فرضي الله عن العلماء المجتهدين وأرضاهم.
سنح لي وقوي بعد تمعّن- في آوخر رمضان سنة 1323- احتمال قوله تعالى: {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} بعد قوله: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} لأن يكون إرشادًا وأمرًا بالمحافظة على أداء الصلاة أداءً متوسطًا: لا طويلًا مملًا ولا قصيرًا مخلًا. أي: والصلاة المتوسطة بين الطول والقصر. ويؤيده الأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وسلم في ذلك، قولًا وفعلًا.
ثم مر بي في القاموس- في 23 ربيع الأول سنة 1324- حكاية هذا قولًا. حيث ساق في مادة و س ط الأقوال في الآية، ومنها قوله أو المتوسطة بين الطول والقصر قال شارحه الزبيدي: وهذا القول رده أبو حيان في البحر.
ثم سنح لي احتمال وجه آخر: وهو أن يكون قوله: {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} أريد به توصيف الصلاة المأمور بالمحافظة عليها بأنه فضلى، أي: ذات فضل عظيم عند الله. فالوسطى بمعنى الفضلى، من قولهم للأفضل: الأوسط. وتوسيط الواو بين الصفة والموصوف مما حققه الزمخشري واستدل له بكثير من الآيات. وفي سوق الصفة بهذا الأسلوب، من الاعتناء بالموصوف ما لا يخفى. وأسلوب القرآن أسلوب خاص انفرد به في باب البلاغة، لم ينفتح من أبواب عجائبه إلا قطرة من بحر. ولعل هذا الوجه هو ملحظ من قال: هي الصلوات الخمس، وهو معاذ بن جبل رضي الله عنه، فكأنه أشار إلى أن المعطوف عين المعطوف عليه. إلا أنه أتى بجملة تفيد التوصيف.
وقوله تعالى: {وَقُومُواْ لِلّهِ}- في الصلاة: {قَانِتِينَ} خاشعين ساكتين. روى الشيخان عن زيد بن أرقم: إن كنا لنتكلم في الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكلم أحدنا صاحبه بحاجته. حتى نزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت. هذا لفظ البخاري. ولفظ مسلم: عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام.
وروى أبو يعلى عن ابن مسعود قال: كنا يسلم بعضنا على بعض في الصلاة، فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، فلم يرد علي، فوقع في نفسي إنه نزل فيّ شيء، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته قال: «وعليك السلام- أيها المسلم- ورحمة الله، إن الله يحدث في أمره ما يشاء، فإذا كنتم في الصلاة فاقنتوا ولا تتكلّموا».
وروى الطبراني في الأوسط والإمام أحمد وأبو يعلى الموصلي في مسنديهما وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل حرفٍ ذكر من القنوت في القرآن فهو الطاعة». اهـ.